الآن عدت...
فتح عينيه بصعوبة بالغة..وراح يحرك يده بطريقة عشوائية محاولاً إبعاد نور الشمس المتسلل من النافذة حتى أدرك بعد بعض الوقت أن لا فائدة مما يقوم به ..وأخذ يتأمل الغرفة محاولاً استيعاب المكان والزمان ..
نظر إلى الساعة المعلقة على الحائط ، إنها الثانية عشرة ظهراً، تذكر أنه لم ينم حتى طلع الفجر وتناول الكثير من الأقراص المهدئة ، تأمل المكان الفارغ أمامه في السرير.."لا بد أنها في العمل الآن."هكذا حدث نفسه ..ثم انتبه لوجود ورقة على وسادتها..ابتسم في سخرية..تجاهل الورقة ثم قام مترنحاً من السرير كي يغسل وجهه .."تباً لتلك المهدئات ..إنها تجعلني أبدو كالأحمق..لن أتناول منها شيئاً الليلة.."لا بد أنه قال لنفسه هذه الجملة عشرات المرات..ستة أشهر ليست بالمدة القصيرة ..وتجاوز أزمة كتلك التي يعيشها علاء ليس بالأمر السهل..أي شخص يفقد صديقاً إلى الأبد سيمر بأزمة كهذه..لكن خالد ليس كأي صديق..إنه صديق بكل ما للكلمة من معنى..هذا ما كان يردده علاء مراراً وأدرك من حوله كم كان يعني ما قاله حين جاءه نبأ إصابته بالسرطان ..في البدء لم يصدق وتعامل مع الأمر كأنه لم يحدث ..لكن العلاج الكيميائي ترك أثراً واضحاً على خالد ..وانتقل هذا الأثر تدريجياً لـ علاء ، كان نفسياً أكثر منه جسدياً..كان يقول له باستمرار :
"لا بأس عليك ..غداً تشفى ويعود كل شيء كما كان.."لكن دموعه كانت تغالبه في كل مرة ويخرج من عنده باكياً حزيناً خائفاً ألا يكون هناك مرة قادمة..
وفي أحد الأيام ..لفظ خالد أنفاسه الأخيرة..
نزل الخبر على علاء كالصاعقة ..قصمته نصفين وأحرقت فؤاده ..وامتد الحريق أكلاً في نفس علاء ولم يعد هناك أحد قادر على منع انتشاره وإطفاءه..
مرض الاكتئاب بدا واضحاً على معالم وجهه وطريقة حياته..واضطر طبيبه المعالج لوصف أدوية مهدئة له بعد أن أصبح الأرق رفيقه الدائم وبات عصبي المزاج سريع ا لغضب يتحاشى من حوله التعرض له..
نظر إلى وجهه في المرآة..كاد يبكي..لكنه أمسك دموعه وعاد إلى السرير ..لم يعد يقوى على الوقوف لعشر دقائق متواصلة ،كم صار واهناً ضعيفاً ..
عاد فنظر إلى الورقة من جديد..فتحها..وراح يقرأ بصمت..
"عزيزي..لكم تعلم كم يؤلمني حالك هذا ..وكم يزيد من ألمي خوفي من فقدك ..
لن أقول أني أفهمك وأقدر شعورك..لأنني لم أفقد صديقاً يوماً..لكني الآن أخاف أن أفقد حبيباً وصديقاً وأخاً عزيزاً بات نصف حياتي أو كلها..
لن أملي عليك نصائح ..لن أملأ الورقة بالمواعظ والحكم..لأنني حقاً لا أعرف كم تعاني..وربما لو كنت مكانك لضربت بكل تلك النصائح عرض الحائط..لكن...أما آن لهذه الأزمة أن تنتهي..
أما آن الأوان ...
صديقي..أنت حتماً لا تريد لي أن أعاني كما تعاني..ولا تريد أن أمر يوماً بما تمر به ..
إن كنت تريد هذا ..فقط استمر....
سأغيب لبضعة أيام..عندما أعود أرجو أن تكون قد عدت..."
هنا توقف لأن دموعه غلبته كما غلبته كلماتها ..كان حزيناً ..غاضباً...مزق الورقة ورمى بها على الأرض..ثم دفن رأسه في الوسادة وملأها بالدموع حتى كاد يختنق..
مرت أيام لم تعد فيها إلى البيت..يبدو أنها كانت جادة في كلامها..راودته شكوك تجاه عودتها أسر في نفسه غضباً كبيراً تجاهها إذ أنه بات شبه متأكد أنها ملت منه وتخلت عنه كما فعل الآخرون..كاد التفكير بالأمر يقتله وراح يتناول المزيد من المهدئات..ولم يعد يطيق البقاء في المنزل وحيداً، عاد إلى الخروج مساء ليركض حتى يناله التعب ثم يعود إلى المنزل لينام منهكاً غير قادر على التفكير بأي شيء ..أراحه هذا وأعاد إليه بعضاً من نشاطه ، وأسعده أن يرى نفسه أفضل، قرر أن يعود إلى العمل تقدم بطلب لإنهاء الإجازة وبات ينتظر القرار النهائي ليعود.
****
سنة مضت دون أن تعود ..
كان بحاجة إلى الحصول على ورقة لأجل معاملة مهمة ..وبعد جهد كبير خرج من دوامة الروتين وأمسك بها في طريقه إلى الباب الخارجي لتلك المتاهة كأنها خارطة تدله على كنز كبير ..
سمع صوتاً، توقف لحظات ،سقطت الورقة من يده، حاول أن ينتشل ذاك الصوت من بئر الماضي عاد بالزمن إلى الوراء طويلاً ..إلى اليوم الذي قرر فيه أن يعود علاء..لكن لماذا لم تعد؟؟..عاد لأجلها وهي لم تعد..استجمع قواه ،لملم ذكرياته ومشاعره التي غيبها الحزن ..استعاد نبضات قلبه ، تلك التي لم يشعر بها منذ مدة ، ثم وقف مسنداً ظهره إلى الباب .. أخذ شهيقاً عميقاً واستدار..
وراء إحدى الطاولات جلست نورا ، بدت منهمكة في عملها وقد غاص وجهها بين عشرات الأوراق والملفات ..
نقرة موسيقية على الباب جعلتها تنتبه وترفع رأسها لترى القادم..
بضع لحظات مرت دون أن تقول شيئاً..فقط ابتسمت ..وذرفت من عينيها البنيتين دموعاً نقية...ثم قالت له:
اعتقدت أنك لن تأتي أبداً..
شهق شهقة طويلة ملأ بها رئتيه من هواء الغرفة ..ثم قال لها: مجرد أزمة عابرة ..وانتهت..
في تلك اللحظة شعر بأنه ولد من جديد..وأنه الآن ..فقط الآن عاد..
تمت بحمد الله
السبت 13 أبريل 2019 - 14:17 من طرف slomaskhab
» افضل موقع عربي لمشاهدة و تحميل الافلام و المسلسلات و البرامج
السبت 23 مارس 2019 - 10:34 من طرف slomaskhab
» شاشات ليد داخلية وخارجية توريد | تركيب | صيانة بافضل سعر في مصر
الخميس 21 مارس 2019 - 11:59 من طرف slomaskhab
» دورات للأطباء والاختصاصيين العرب
الخميس 21 مارس 2019 - 6:52 من طرف slomaskhab
» الدكتوراه والماجستير البحثية في الهند
الأربعاء 20 مارس 2019 - 3:29 من طرف slomaskhab
» بيع ادوات ومنتجات لعبة هاي داي hay day
الأحد 17 مارس 2019 - 7:25 من طرف slomaskhab
» سارع بالحصول على اكثر من 500دولار شهريا من ميرش باي امازون
الأحد 10 مارس 2019 - 8:42 من طرف slomaskhab
» سارع بالحصول على اكثر من 500دولار شهريا من ميرش باي امازون
السبت 9 مارس 2019 - 15:44 من طرف slomaskhab
» موقع وصفات شهية
السبت 9 مارس 2019 - 7:37 من طرف slomaskhab